
الربيع العربي كاشف أم منشئ... للمتسبب؟
انفجرت الثورات العربية الحديثة التي أطلقوا عليها اسم “الربيع العربي” سواء أكانت تلك التسمية صحيحة أم أنها من خيال من أطلق هذا الاسم، وسواء أكانت من صنع شبابنا أم ....صناعة امريكية تأكيدا لما قالته السيدة “كونداليزا رايس” وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس بوش والتي قالت عنها انها “الفوضى الخلاقة” تمهيدا لمصالح امريكا في المنطقة ..المهم ان هذه الثورات أثبتت أن بعض الحكام العرب ..لا يتمتعون بصفات قيادة للشعوب مثل: الحكمة والحصافة وبعد النظر والحرص على الشعب ومعالجة مطالب الشعب في اوقات الشدة ..الخ.ونحمد الله اننا في الاردن نعيش في واحة، وان جلالة الملك عبد الله الثاني نابع من دوحة الرسول الكريم، وقد سار على نهج مغاير لنهج بعض الحكام الآخرين . رحم الله معاوية بن أبي سفيان فقد وضع اسس الحكم للرؤساء فقال قولته الشهيرة :- ( لو كان بيني وبين الناس شعرة لما انقطعت إن شدوها أرخيتها وإن أرخوها شددتها ) ولكن المؤلم اننا في العصر الحديث اصبحنا نرى أن الشغل الشاغل لكثير من الحكام ..هو الحرص على كرسي الحكم.. مجرد كرسي له شهوة عجيبة فمن يجلس عليه لا يتركه الا عند الموت اختياريا كان او جبريا، اي بقيام انقلاب عسكري او ثورة ضده.. ولم نجد من الحكام العرب في السنوات الماضية من يتنازل عن الحكم بعد انتهاء ولايته الدستورية سوى حاكم واحد..رحمه الله وهو اللواء “سوار الذهب” رئيس جمهورية السودان الذي تنحى عن الحكم باختياره.المؤلم ان كثيرا من حكامنا اصبحوا لا يهتمون الا بجمع القناطير المقنطرة من الذهب ..فأصبحت ثرواتهم بأرقام فلكية لا تخطر على بال..ولنا فيما جرى ويجري في بعض البلدان العربية امثلة نموذجية تساعدنا في هذا البحث.. فقد تكونت مجتمعات جديدة اثر تلك الثورات.. سواء نجحت أو فشلت فهذا لا يهمنا.. المهم هو علاقتها بالمجتمعات الجديدة التي تكونت بعدها .على سبيل المثال قامت ثورة في ليبيا زمن حكم الملك ادريس السنوسي ..وكانت عبارة عن مظاهرة وصلت الى القصر الملكي.. فخرج الملك ادريس ليشاهد ما يحدث فسمع الهتافات..ولكنه لكبر سنه كان قليل السمع.. فسأل احد المقربين منه: بماذا يهتفون..؟فقال له يا سيدي انهم يقولون إبليس ولا إدريس..! فأجاب الملك جوابا عفويا فقال:- ربِّ يبعث لهم ابليس بحسب طلبهم..وتنازل عن العرش ..
وجاء قائد الثورة العقيد معمر القذافي.. حيث حكم البلاد 40 سنة بقبضة حديدية وحوَّلها الى مزرعة له ولأولاده وزبانيته..وعندما قامت ثورة عليه وهي من ضمن ما اطلقوا عليه الربيع العربي او الفوضى الخلاقة ثار العقيد.. وهدد الثوار بالقتل وملاحقتهم من بيت الى بيت ومن حارة الى حارة (زنقا زنقا).. رحمه الله .. ليته عمل بحكمة معاوية بن أبي سفيان ونظر بطلبات الشعب بدلا من تهديده ولكنه لم يراع رغبات الشعب الذي حكمه 40 سنة وكانت نهايته القتل ودفن في الصحراء في قبر مجهول.. لا يعرف مكانه احد .
ومثال آخر، ما جرى ويجري في سورية الشقيقة.. فمنذ اندلاع الثورة أو الحرب أو الصراع -التسميات ليست مهمة- على ارض الواقع المهم ما يجري فعلا.. فقد اندلعت ثورة على الرئيس حافظ الأسد ولم يحاول معرفة طلبات شعبه.. بل لم يتردد بقصفهم بالطائرات العسكرية وقتل اكثر من 30000 شهيد سوري من اجل ان يستمر في الحكم وعند وفاته.. ورَّث الحكم الى ولده بشار..الذي كان كما يقول المثل العربي القديم ((هذا الشبل من ذاك الأسد)فتابع منهج ابيه وعندما ناء الشعب بهذا الذل ..وطالب بحريته انطلقت الثورة في 2011 وكانت سلمية ..وطلبات الشعب قليلة جدا.. حيث طلبوا قليلا من العدالة الاجتماعية والحرية ..فكان جواب الحاكم هو اطلاق النار بقسوة.. ما جعل سقف الطلبات يرتفع قليلا قليلا الى أن وصل الى القول (ارحل ) ثم اصبحت الثورة مسلحة دفاعا عن النفس ولم يبال النظام بالكوارث التي حلت بالشعب السوري..فقد بلغ عدد القتلى اكثر من 115000 قتيل، وقطعا هذه الأرقام في نمو مطرد والجرحى ثلاثة اضعاف هذا الرقم ..وتشرد الشعب السوري في البلاد المجاورة حيث تجاوز عدد اللاجئين السوريين 3 ملايين لاجئ
استضافتهم المملكة الأردنية الهاشمية.. ولبنان وتركيا والعراق ومصر..وقدم الأردن المساعدات الى الاخوة السوريين من خيام و طعام وملابس بل ان المملكة الاردنية الهاشمية ..فتحت لهم مدارسها لتعليم ابنائهم ..وقدمت كل ما يطلبه اللاجئون السوريون . ويتمزق القلب عندما نسمع ان لاجئين سوريين كانوا في قارب متجهين الى ايطاليا وأن الأمن اطلق الرصاص عليهم فغرق من غرق ومن بقي حيا فهو في السجن الآن ..؟. واصبحت المدن السورية العريقة ذات التاريخ المشرق ننظر اليها والدموع في المحاجر فقد تحولت تلك المدن الى اطلال ينعق فيها الغراب والبوم ..ولا حول ولا قوة الا بالله .
وأما اليمن السعيد فأصبح غير سعيد وحاله لا يقل سوءا عما حل في ليبيا او سوريا . .رحم الله عمر بن الخطاب عندما قال( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا ..؟) وقال السيد المسيح : (من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الايسر ) لقد تركنا القيم العالية التي جاء بها الانبياء والرسل واتبعنا اهواءنا فأصبحناعلى هذه الحال .
ترى من المسؤل؟ هل هم الشعوب التي رضيت بالمهانة واستكانت للذل وبقيت صامتة لا تتحرك ولا تتكلم سنوات طوال..؟ أم ان المسؤول هم الحكام الذين اغراهم كرسي الحكم ..فلم يبالوا بشعوبهم فاستساغوا اذلال شعوبهم..؟ نسأل الله ان يعيدنا الى رشدنا ونتذكر قول مندوب كسرى عندما جاء لمقابلة امير المؤمنين عمر بن الخطاب فوجده نائما تحت ظل شجرة ونعله تحت رأسه فقال : ( حكمت فعدلت فأمنت فنمت، أما نحن فحكمنا فظلمنا فهزمنا ) العدل اساس الملك..
Comments