لكل ذي بصر ان جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين منذ ارتقى العرش سعى جاهدا لرفعة هذا الوطن وذلك بان يلحق الاردن باسراب الشعوب المتقدمة التي حلقت في سماء عصر المعرفة بجميع ادواتها المتاحة واستعمال التكنولوجيا المتقدمة التي تفوق سرعتها سرعة الاقمار الصناعية التي تملأ الفضاء حاملة معها كل انواع المعلومات والمعرفة الى بني البشر الذين يستطيعون التخاطب معها بلغتها.
فعمل جلالته على رقي الاردن وشعبه خاصة ونحن نعيش ثورة الاتصالات والمعلومات الهائلة واثرها الفلكي على الشعوب من جميع النواحي الثقافية والعلمية والعسكرية خاصة الجانب الاقتصادي الذي يحلق فوق السماء.
فان جلالته يرى شباب الاردن اقوى من مجرد فرسان على صهوات الجياد العربية الاصيله فالعالم سوف ينقسم الى فريقين احدهما يملك العلم والمعرفة وبالتالي فهو الاغنى والاقوى.. بينما الاخر سوف يكون جاهلا لم يدخل عصر المعرفة وبالتالي فهو الاكثر فقرا والاضعف في كل المجالات اقتصاديا وثقافيا وعسكريا.. الخ.
وما نراه اليوم من قيام جلالته ببلورة القيم الاجتماعية وما يغرسه من افكار خلاقة في الشباب وفي المتميزين.. وفي اهل الهمة.. وما يؤكده دوما عن الحرية وان سقفها هو السماء.. وكذلك ايمان جلالته بالديمقراطية واعتبارها من ارقى نظم الحكم التي تقوم على اشراك الامة في الحكم.. وتشجيع قيام الاحزاب السياسية وبناء مؤسسات المجتمع المدني..
ولم تتوقف جهود جلالته عند حد الفكر فقط بل ترجم افكاره الى اعمال ملموسة على الارض بعد ان رأى جلالته منظومة عصر المعرفة وادواتها المتعددة.. فأراد ان يصبح الاردن كتابا مفتوحا تشع منه أنوار المعرفة فيقرأه كل من يرغب في العلم والمعرفة والتكنولوجيا ولا يبخل بها على احد.. شقيقا كان او قريبا او صديقا.. فأمر بانشاء مؤسسة الطاقة النووية وما نسمعه من اكتشاف اليورانيوم في الاراضي الاردنية واستعداد الصين على سبيل المثال لشراء 400 طن يورانيوم سنويا وكذلك الاهتمام بالاطفال وهم بناة المستقبل والسواعد الواعدة منذ نعومة اظافرهم فأمر جلالته باعطاء كل تلميذ جهاز حاسوب اي كمبيوتر .. للدراسة عليه وتعلم جميع مركباته حتى يسهل عليهم فك رموز المعرفة الموجودة فيه منذ صغرهم وتنمية مواهبهم ومهاراتهم الذاتية. ثم تشجيع قيام المنتديات الفكرية والثقافية واقامة المعارض لأحدث الابتكارات التكنولوجية.. والسخاء في منح البعثات الدراسية للطلبة الذين يرغبون في الدراسة في الخارج حتى يجلبوا العلوم والتكنولوجيا معهم بعد عودتهم الى الوطن..الخ.. والامثلة كثيرة جدا فهي سلسلة عملاقة لها اول وليس لها نهاية. نحن نعلم ان رؤية جلالته لمستقبل ذهبي للاردن تحتاج الى مجلد اضخم من هذا المقال.
نحن مهتمون الان بالكتابة عن عصر جديد هو عصر المعرفة ، وما نراه من ثورة الاتصالات والمعلومات والشبكة العنكبوتية اي الانترنت حتى اصبح يقال ان العالم كله على سعته اصبح قرية صغيرة يدخلها من يشاء بدون استئذان من احد. وفي البداية نقول ان هذا المقال ليس ترفا فكريا ولا يدخل في حسابات الفلسفة الحديقة بل هو محاولة لسبر اغوار عصر جديد يطل علينا ونحن عنه غافلون. ويقع على المثقفين في الامة عبء الكتابة عنه كل بقدر علمه وفي الحيز المتوفر لكل منهم.
المقصود بالمعرفة في هذا العصر هو القدرة على اكتساب المعارف وتوفير المعلومات والقدرة على تأسيسها في المجتمع من خلال اقامة مؤسسات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي المعنية اساسا بجمع المعلومات وتحليلها وتطويرها وتراكمها ثم القدرة على توظيف هذه المعلومات في خدمة المجتمع نحو تحقيق اهدافه. ولكن يجب ان نقول ان حضارة المعرفة لا تزال في دور التكوين وسوف يتوفر لدينا قيما وسلوكا وعادات اجتماعية واقتصادية جديدة تتناسب مع المستقبل القادم ويمكن القول انها حضارة ذات خاصية ديناميكية لا تعترف بالحدود الجغرافية ولا بمفهوم السيادة القطرية لتصبح بديلا للعادات القديمة التي كانت سائدة بيننا نتيجة التطورات الانسانية المستمرة على كوكب الارض.
يبدو ان مشكلة العالم العربي كانت لاسباب تاريخية وهي بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وتحرر الوطن العربي من الحكم التركي الذي دام اكثر من 400 عام دخلت معظم الدول العربية في مرحلة الصراع مع الاستعمار الاوروبي وبسب الطبيعة السياسية لذلك الصراع فان اهداف الحركة العربية تمحورت حول التحرر من الاستعمار والوحدة الوطنية ومقاومة المخططات الاستعمارية والصهيونية ، ما جعل قضايا التنمية الاقتصادية تعاني الاهمال والتراجع الى الخلف تاركة مكان الصدارة لصالح القضايا السياسية.
من هذا المنطلق وجدنا الدول الاوروبية وامريكا واليابان مثلا تخطو خطوات ثابتة على طريق ثورة المعلومات الرهيبة منذ اواخر القرن العشرين ، ومن اهم ادوات هذه الثورة الانترنت والاقمار الصناعية وغيرها من ادوات هذا العصر. فليس سرا يقال ان الانترنت يغير كل يوم اكثر من 700 مليون كلمة بجميع لغات سكان الكرة الارضية وبامكان كل انسان ان يقرأ وهو في متناول الجميع بشرط ان يكون قادرا على استخدام اجهزة عصر المعرفة مثل الحاسوب اي الكمبيوتر والفاكس والتلفون المحمول (الموبايل) ويجيد لغة ثانية غير لغة وطنه على الاقل.
وقطعا لم تصل البشرية الى هذا فجأة فمن الخطأ الاعتقاد بأن الحاضر هو نسخة عن الماضي او ان المستقبل شبل للحاضر بل ان التاريخ الانساني يبنى حجرا حجرا حتى يصبح البناء عاليا ومتكاملا وهذا ما حدث فعلا فان التطورات الانسانية بدأت بعصر الرعي حيث كان الانسان يعيش على الرعي وما تركه عصر الرعي من حضارة اهمها نشوء العشيرة وتماسك القرابة وصلة الدم الا ان الانسان في عصر الرعي دائما كان يقاتل ، فكان يحارب ليعيش ويعيش ليحارب، ثم انتقلت البشرية الى عصر الزراعة بعد ان عرف الانسان الزراعة صدفة ونتج في هذا العصر ترويض الحيوانات واستعمالها لحرث الارض وجر العربات ونشوء القرى الصغيرة بجوار مصادر المياه وقيام العائلة بدلا من العشيرة فكان الانسان في ذلك العصر.. يأكل ليعيش ويعيش ليأكل.. ثم انتقلت البشرية الى عصر الصناعة حيث اكتشفت الالة ثم كانت المصانع الكبيرة والانتاج الغزير خاصة في الدول الاوروبية وتبع ذلك قيام النقابات العمالية ثم الاحزاب السياسية واكتشاف الديمقراطية باعتبارها نظام حكم وتطور مفهوم الدولة الى معناه الحديث وطبعا جلبت الصناعة حضارة خاصة بها ويمكن القول ان الانسان كان يقضي حياته.. يعمل ليعيش ويعيش ليعمل.. واخيرا جاء عصر المعرفة وهو الذي يهمنا اليوم فان الفرد اصبح.. يتعلم ليعيش ويعيش ليتعلم..
فهذا العصر عجيب في كل شيء فاذا كانت الصناعة لم تدخل جميع البلاد الا ان عصر المعرفة بالرغم من تعقيداته الا انه سهل فعلى سبيل المثال فان شركات العولمة التي اصبحت قدرا علينا وكأنها كتاب موقوت على الشعوب وهي الشركات العالمية المتعددة الجنسيات التي تنتقل وتخترق الحدود ناقلة معها رؤوس الاموال والمنتجات على اختلاف انواعها.. وتستعمل التكنولوجيا المتعددة حولت العالم الى قرية صغيرة يستطيع الجميع رؤيتها من الداخل بدون اذن من احد. فالعولمة ربطت العالم بوسائل الكترونية فقد اصبح بامكان مصممي السيارات الايطاليين ارسال تصاميمهم الى شركات السيارات الامريكية بواسطة الانترنت.. وهم في مكاتبهم في ايطاليا. واصبح بامكان مبرمجي الكمبيوتر في الهند مثلا ان يرسلوا البرامج المطلوبة الى شركاتهم في انجلترا او اي بلد اخر بدون حاجة الى السفر والتنقل.
فان عصر المعرفة الذي نعيشه اكد للجميع ان التواصل والتفاعل الانساني اصبح عالميا بفضل نظم الاتصالات الالكترونية والاقمار الصناعية وباستخدام الكمبيوتر والانترنت.. ما جعل بامكان الانسان الحصول على المعرفة بغض النظر عن مكان تواجده والاهم من هذا كله.. اصبحت المعرفة اغلى شيء في الاستثمار فاذا توفرت المعرفة لدولة فانها تصبح من الدول الغنية بغض النظر عن مساحتها او عدد سكانها؟ فمثلا دولة فنلندا اخترع علماؤها الهاتف المحمول «نوكيا» وانتجت منه مليارات الاجهزة ما جلب لها مليارات الدولارات.. واذا نظرنا الى الدول النامية فمثلا دولة ماليزيا اهتمت كثيرا بالبرمجيات وصحائف الكمبيوتر ولفائف التلفزيون فانتقلت من دولة زراعية تنتظر المطر الى دولة صناعية تحصد ملايين الدولارات واصبحت تعتبر من الدول الغنية فان الحصول على المعرفة اصبح افضل من اي وسيلة للانتاج. ولعل اصدق تعبير ما قاله الرئيس السوفياتي ميخائيل جورباتشوف سنة 1989 «ان الاتحاد السيوفياتي كان اخر الدول الصناعية التي اكتشفت ان المعرفة في العلم هي العنصر الانتاجي الاهم في العصر الحديث».
خاتمة
من هذا المقال السريع نصل الى ان من يملك المعرفة سوف يكون الاقوى في العالم اقتصاديا واجتماعيا وعسكريا وشاهدنا رؤية جلالة الملك عبدالله وحرصه على دخول الاردن عصر المعرفة .. حفظ الله الاردن.. وان شاء الله يصبح الاردن قمرا يحلق بين النجوم بالعلم
コメント