الفساد ظاهرة عجيبة غريبة تستحق الوقوف عندها والتأمل فيها ليس بقصد ايجاد الحلول لها فاذا زعمنا ذلك فاني افقد مصداقيتي مع نفسي على الاقل يستحيل على مفكر او كاتب او مثقف كائنا من كان ان يدعي بان لديه عصا موسى للقضاء على الفساد ولكن السؤال هو لماذا يختلف الفساد الذي عندنا عن الفساد الذي عند الاخرين وعلى سبيل المثال الفساد الموجود في بلاد مثل السويد عدد سكانها 6 ملايين نسمة ولكن ما احلى الفساد عندهم لمن لا يصدق ارجو ان تقرأ ما يلي:
عمدة مدينة استكهولم السويدية وهي رئيسة حزب وعضو برلمان بارزمخلصة لعملها كعمدة للمدينة والجميع يشهد لها بالنشاط والكفاءة في عملها وخدمة جميع مواطنيها بدون تفرقه على الاطلاق وفجأة وبدون مقدمات وجدت نفسها وسط موجة انتقادات وغضب شعبي لا مثيل له فقد توجهت لها السهام متهمة اياها بالفساد الاداري مما ادى في النهاية الي استقالتها من منصبها او من عملها وان كنتم تسألون عن طبيعة الفعل المشين الذي اقدمت عليه فهو: انها تجرأت على ملء خزان وقود سيارتها بكوبونات حكومية بالطبع انتفضت الصحافة الحرة تتساءل: اذا كانت عمدة المدينة تملأ سيارتها الخاصة بمال عام فما شيمة باقي موظفيها ان كانت هي بالاموال العامة ضاربة؟ بدأت تبدي دفاعها عن هذه الجريمه الشنعاء فقالت لهم مستعطفة اقسم انني كنت ناسية محفظتي عندما دخلت الي محطة البنزين فماذا افعل اذهب لعملي سيرا على الاقدام؟ ام اشحت من المارة؟ وانا نسيت محفظتي بالخطأ ولكن الصحافة لم يقنعها هذا الرد واعتبروه تبريرا في غير محله ولا يناسب عمدة المدينة مؤكدين انه كان عليها ان تركن سيارتها وتستخدم وسائل النقل العام ما دام انها وجدت نفسها في موقف كهذا عوضا عن خيانة الامانة،،.
وبدلا من ان تضرب مثلا مشينا لموظفيها واعضاء حزبها ولم تقف تداعيات تصرفها الشنيع عند هذا الحد بل اقصوها عن موقعها الحزبي كرئيسة للحزب ورجمت من قبل برامج التنمية على مدار شهر كامل كما ترجم العقبة الكبرى صبيحة ايام العيد مما اعدم حياتها السياسية الى الابد.
ان صاحبتنا ليست اولى ضحايا سياط ملاحقة الفاسدين فقبل عام ونصف العام اجبر وزير الصحة الفنلندي على تقديم استقالته بعد ان اكتشفت وسائل الاعلام انه تكلم مع زوجته 3 مكالمات دولية (مرة واحدة) على نفقة الدولة استشاط الرأي العام غضبا لانه استغل منصبه الوزاري لاجراء مكالمة تيلفونية من جيب دافعي الضرائب وانتهى مستقبل هذا الحرامي الفاسد بعيد تلك الواقعة المشينة وكان سيقدم للقضاء لولا انه عرض تسوية قانونية ودفع قيمة المكالمات الثلاث،،.
لو كنت اعرف رقم تيلفون العمدة المخلوعة او الوزير المصلوب لكنت دعوتهما للعمل في احدى الدول العربية حيث يعتبر الهاتف جزءا من مميزات المهنة ولهم ان يستخدموه لمهاتفة زيمبابوي او تنجانيقا ان شاءوا وبامكانهم استخدام بطاقات وقود لملء سيارات العائلة كلها لا سياراتهم فقط وليست موارد الادارة هي كل ما يستطيعون ان يستخدموه بل بامكانهم استخدام الموظفين ايضا لقضاء حاجاتهم الخاصة مثل توصيل الاولاد الي المدارس وشراء السمك والروبيان وانهاء رخصة عمل الخادمة واخذ سيارة المدام الي الوكالة او شراء تذاكر طيران.. الخ ، ولن يثار حولهم اي زوبعة من الرأي العام بل ولن يستهجن احد تصرفاتهم او يسعى لتحجيمها.
لو وجدت عطوفة العمدة السويدية أو سعادة الوزير الفنلندي الوضع مواتيا وشجعهما المناخ العام على نهب الملايين فعليهم الا يخشوا شيئا.
Comentários